أشاد فضيلة
مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن محمد سليمان الخليلي بجهود جمعية الدعوة
الإسلامية العالمية في اهتمامها للقرآن الكريم وترجمة معانيه إلى عدة لغات
عالمية واصفاً هذه الجهود بالمحافظة على الإسلام دين الله تعالى الحق ،جاء
هذا الحديث على هامش أعمال المؤتمر الثامن للدعوة الإسلامية الذي أنعقد في
طرابلس في الفترة الماضية .
الإسلام رسالة الله سبحانه وتعالى إلى
خلقه جميعا
س / المؤتمر الثامن للدعوة الإسلامية ينعقد تحث شعار" إنّ
الدين عند الله الإسلام " ، كيف نبرهن ذلك للآخر؟
المفتى / بسم
الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،
أما بعد :
فإن الدين ليس أمراً خاضعاً لمقياس البشر وتجاربهم أو أي شي
يعود إلى أفكارهم ، و إلا لكان الدين يتأثر بتأثر البشر لأن فكر البشر
يتأثر بالمؤثرات النفسية والمؤثرات الاجتماعية والبيئية وغيرها ، ولكن
الدين هو صلة بين العباد وربهم ، إذا الله هو الذي خلق الإنسان وعلم طبيعته
وفطرته وما تنطوي عليه هذه الطبيعة وما يحتاج إليه هذا الإنسان وهو جسم
وروح والروح لا بد أن يكون راجعاً إلى الله سبحانه وتعالى وقد أرسل الله
تعالى رسله وأنزل كتبه ، وأرسلهم بدين واحد وبعقيدة واحدة وهي عقيدة
الوحدانية ، فالله عز وجل يقول " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه
أنه لا إله إلا أنا فاعبد ون " وقد شرع لهم جميعاً الإسلام ديناً والإسلام
هو الاستسلام لآمر الله وحكمه والإذعان لطاعته ، بدليل أن الله تعالى يقول
" قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفاً وما
كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك
له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " . فالإسلام أذا أن يسلم الإنسان روحه
وجسمه وعقله وقلبه ولسانه وفكره
وغرائزه وكل شيء منه لله سبحانه حتى
تكون حياته كلها استجابة لآمر الله عز وجل ودلت الآيات القرآنية أن الإسلام
على أنه رسالة الله سبحانه وتعالى إلى خلقه جميعا، فإن الله تعالى يقول في
نوح وهو أول النبيين الذين تحدث عنهم القرآن يقول عنه فيما يحكيه من كلامه
وأمرت ( أن أكون من المسلمين ) وقال في إبراهيم (ومن يرغب عن ملة إبراهيم
إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ
قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) ، تم ذكر وصية إبراهيم ويعقوب
لبنيهما فقال ( ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله أصطفي لكم
الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال
لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله ءابائك إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون )، ونجد أن الله سبحانه وتعالى يذكر كل
النبيين فيصفهم بالإسلام وكذلك نجد أنه سبحانه وتعالى يذكر التوراة التي
أنزلت على موسي فيقول ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا )، ومثل ذلك ما نجده
من ذكر دعاء يوسف عليه السلام عندما قال ( ربي قد ءاتيتني من الملك
وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة
توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) ، وكذلك نجد أن الله تعالى يحكى عن فرعون
نفسه أنه أدعى الإسلام عندما أدركه الغرق، فقد قال تعالى حتي إذا أدركه
الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرآئيل وأنا من
المسلمين ) ، ومثل هذه الآيات كثيرة كذلك يذكر أهل الكتاب الذين تمسكوا
بالكتاب ولم يفرطوا فيه ولم يعدلوا عنه ولم يحرفوا شيئاً منه فقال " الذين
ءاتينهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون به وإذا يتلى عليهم قالوا ءامنا به
إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين " كل ذلك يدل على أن الرسالة جاءت
على طرق شتي بحسب اختلاف الأزمان واختلاف الظروف والأحوال واختلاف طبائع
الأمم ، فلذلك كانت الشرائع متعددة ، أصل واحد وهو توحيد الله تعالى فكل
رسالة إنما جاءت بتوحيد الله وما وقع بعد ذلك من الانحراف عن التوحيد فإنما
هو خروج عن مقتضي هذه الرسالات فنحن عندما نؤمن بأن الإسلام هو الدين
الوحيد دين الله تعالى ندعو الناس إلى أن يتمسكوا بجميع هذه الرسالات فإنها
جاءت جميعاً داعية إلى توحيد الله ولذلك نحن نؤمن بكل هذه الرسالات ولا
نفرق بينها ، كما قال الله تعالى " قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا وما
أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسي وعيسي وما
أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن لهم مسلمون " .ويقول "
ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه
ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) فنحن المسلمون لا نفرق بين رسول ورسول ولا
بين كتاب وكتاب إنما نؤمن بها جميعاً وإن كنا نعبد الله سبحانه وتعالى
بحسب مقتضي القرآن الكريم ، فإنه الكتاب الذي جاء مهيمنا على ما سبق من
كتاب من قبل وجاءت هذه الشريعة التي أشتمل عليها ناسخة للشرائع من قبل مع
أن الأصل هو الأصل الثابت من قبل وهو توحيد الله تعالى .
س / جمعية
الدعوة الإسلامية العالمية اهتمت بالقرآن الكريم واهتمت بحفظته وبترجمة
معانيه إلى عدة لغات عالمية ، كيف ترى هذه الجهود المبذولة من أجل خدمة
الإسلام والمسلمين في أرجاء العالم ؟
فضيلة المفتي / القرآن الكريم هو
أصل كل هداية ومنبع كل خير وهو الأفق الذي تطلع منه شمس المعرفة والعلم
فلذلك كانت المحافظة عليه محافظة على الخير كله فالمحافظة على القرآن
الكريم إنما هي المحافظة على النبوة محافظة على رسالة الله تعالى إلى عباده
ومن أوتي القرآن فقد أوتي هدى النبوة ، فعليه أن يحافظ على ذلك ، وأن
يستمر على العمل والتطبيق لكل ما أشتمل عليه القرآن الكريم ، والمحافظة على
تحفيظ القرآن وتلقينه الناشئة وتعريف الناس بمعانيه ومفاهيمه ذلك إنما هو
في الحقيقة محافظة على الإسلام دين الله تعالى الحق فهذا الجهد مشكور عليه
ولا تزال هذه الأمة بخير ما استمسكت بالقرآن الكريم وحافظت عليه في كل ما
يتعلق بحياتها الروحية والفكرية والاجتماعية ، وغيرها فإن القرآن الكريم هو
القائد الذي يقود إلى الحق وإلى الطريق المستقيم .
س / نحن
المسلمين نعلم ونعرف بأن القرآن الكريم يدعو إلى المحبة والسلام والتسامح
والإخاء ، برأيك كيف نبين هذه الصفات الحسنة للآخرين ؟
فضيلة
المفتى / لا ريب أن رسالة الله سبحانه وتعالى لعباده فيها الخير للإنسانية ،
الله عز وجل يقول " لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص
عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم " فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد الخير لجميع
البشر وكذلك المسلمين الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ، إنما يريدون أن ينقدوا البشر، فهذه رسالة محبة وسلام ورغبة فأن
ينطوي الناس جميعاً تحت لواء الحق وإلا يشد أحد منهم المنهج الرشد .
الفتوى
كالطب
س / نحن الآن نعيش في عصر العولمة وكثرة الفضائيات وكثرة
القنوات الدينية ، وإن صح التعبير كثرة فوضى الفتوى ، ما هي سبل اختيار
الفتوى ؟
فضيلة المفتى / من المعلوم أن هذا العصر هو عصر تفتح
البعض على الأخر ، وصار العالم بأطرافه المترامية كأنه قرية واحدة أو أن
العالم بمثابة العمارة الواحدة التي يطل سكانها على بعضهم البعض من شرفاتهم
فالعالم بأسره كأنه أجتمع في مكان واحد وفي زاوية محدودة لذلك لابد أن
تكون من هنالك أثار ايجابية وسلبية ، وإنما هذه فرصة في الحقيقة لدعاة
الخير الذين يسعون جميعاً إلى ما فيه مصلحة الناس من أجل إيصال رسالة الحق
إلى الناس جميعاً ، فالفرصة متاحة من هذه الناحية هذا مع وجوب تفادي ما
يؤدي إلى النتائج السلبية كالفتوى التي تأتي من هنا وهناك غير مبنية على
أسس شرعية ثابتة وغير مبينة على رؤية دينية وتدقيق في النظر في أمور الناس ،
فالفتوى إنما هي كالطب ، والطبيب عليه أن يرعي حالة المريض الذي يعطيه
الجرعة فقد تكون جرعة ما مفيدة لمريض وتكون ضارة لمريض أخر ، وقد يكون ذلك
عائدا إلى المناخ فإن الذين يعيشون في المناطق الاستوائية ليسوا كالذين
يعيشون في المناطق الشمالية الباردة ، تختلف المناخات فلذلك تختلف طبائع
البشر ويختلف علاجهم وكذلك قضية الفتوى لابد من مراعاة هذه الجوانب فإنها
بمثابة الثوب الذي يفصل لأحد بحسب قامته ولا يلبس الثوب الذي فصل بحسب قامة
غيره فلابد من مراعاة هذه الجوانب كلها في الفتوى ، ومن هنا كانت الضرورة
داعية إلى إيجاد مجلس عالمي للفتوى تنسق فيه جهود المفتيين في جميع أنحاء
العالم الإسلامي حتي تكون متناسقة مع مطالب الناس وحتي لا يفتي أحد من مكان
بعيد إذ أتاه سؤال من مكان أخر ويدرك طبيعة ذلك المكان وأحوال أولئك الناس
حتي لا يتدخل في خصائصهم فيؤدي ذلك إلى الفتنة والتفرق بينهم .
س /
ما هي السبل للتفرقة بين عالمية الإسلام والعولمة ؟
فضيلة المفتي /
عالمية الإسلام عالمية رحمة والعولمة إنما هي جاءت لتنقد على خصائص
البشرية بل وعلى أموال البشر وعلى خصائصهم وعلى كل مقومات حياتهم ،
فالعولمة بطبيعة الحال تختلف كل الاختلاف عن عالمية الإسلام ، عالمية
الإسلام عالمية تسامح ومحبة وأنا أذكر مثالين في كل منهما ما يدل على الفرق
بين اتجاه الإسلام واتجاه غيره فمثال الإسلام أن إبن عامر رضي الله عنه
عندما سأله رستم القائد الفارسي ما الذي جاء بكم قال له إن الله قد ابتعثنا
لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل
الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، هذه هي رسالة الإسلام ،
بينما ما يقوله الآخرون يختلف عن هذا تمام الاختلاف ، ففي المؤتمر الذي
أنعقد في القدس عام 1935 مسيحي وهو مؤتمر تنصير ما الذي قاله الزويمر في
ذلك المؤتمر ، قال إن مهمة التبشير التي ندينكم من أجلها الدول المسيحية
للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في تنصير المسلمين فإن في ذلك هداية
لهم وتكريم وإنما هي إخراج المسلم من الإسلام وجعله مخلوق لا صلة له بالله ،
وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها وبهذا
تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك المحمدية تم قال إنكم
نجحتم لأنكم أخرجتم جيلاً لا هم لهم بالأخلاق إنما همه الشهوات وكل ما
يسعي إليه أن يشبع نفسه من شهواته فإن جمع المال فهو من أجل شهوته وأن
تبوءا منصب رفيع فهو من أجل شهواته هذه هي همتهم وهذه هي همة المسلمين
فشتان ما بين الهمتين وشتان ما بين الهدفين ، الإسلام يسعي إلى إخراج الناس
من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى الإسلام ومن ضيق
الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وهؤلاء يسعون من أجل أن يقضموا الناس قضماً
ويقضوا على جميع أسباب عزتهم وكرامتهم ومقومات حياتهم .
على الأمة
الإسلامية أن تجمع شتاتها لتكون أمة قوية
س / كثرت الإساءة على
الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام والمسلمين ، كيف نواجه
هذه الإساءات نحن المسلمين ؟
فضيلة المفتي / نواجه ذلك بجمع
الكلمة وتوحيد الصف ورأب الصدع ما بين الأمة وإزالة جميع الفوارق والحواجز
التي تفصل بعضها عن بعض لتكون أمة قوية فإن الوحدة هي التي فيها الخير
والرحمة بينما الفرقة فيها العذاب والشر فعلى هذه الأمة أن تجمع شتاتها
لتكون أمة قوية ولتهابها الأمم جميعاً فلا تجترئ على حرماتها وعلى رسولها
الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه دعوة إلى لم الشمل في مواجهة أعداء
الدين الإسلامي دين الله الخاتم لكل الرسالات " إنّ الدين عند الله الإسلام
" .
حاوره: خالد عبدالسلام بن رمضان