فمن هو الإمام الجلندى ومن هم جنوده الذين وقفوا أمام خازم بن خزيمة ؟
هوالجلندى بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه كان من الذين حضروا بيعة الإمام عبد الله بنيحيى طالب الحق. فقد قال عبد الله بن محمد بن المؤثر رحمه الله : لا نعلم في أئمةالمسلمين بعمان أفضل من سعيد بن عبد الله إلا أن يكون الجلندى بن مسعود. فسارالجلندى بن مسعود رحمه الله في عمان فأظهر الحق وعمل به ، وأخذ الدولة من يد أهل الجور ، وبرئ من الجبابرة وأشياعهم ، ودان بقتال أهل البغي ، ولم يستحل مع ذلك غنيمة ولا سبي ذرية ، ولا استعراضاً بالقتل من غير دعوة.
كان هو وأصحابه لايأخذون الصدقة بغير حقها ، ولم يضعوها في غير مواضعها …
كانوا يرفضون صدقةالبحر إلا ما طاب به أنفس الناس ، وذلك لما يتخوفون من الدخل عليهم في سبيل الله إذلم يحموه ….
كان على كل مائتين من الشراة إلى ثلاثمائة إلى أربعمائة قائد م نأهل الفضل والحجا والبصيرة والثقة والمعرفة والعلم والفقه يعلمهم الدين ويؤدبهم على المعروف ، ويسددهم عن الزيغ ، ويقيمهم على الطريقة ويهديهم سبيل الرشاد ، ليست الدنيا ذكرهم ، ولا جمع المال شأنهم ، ولا الشهوات من حاجاتهم.
كانوا أهل فقه وأهل علم وحلم وتؤدة وتودد ووقار وسكينة ولب وعقل وبر ومرحمة وصدق ووفاء وتخشع وعبادة وورع وتحرج وصلة ونصيحة وظاهرة مقبولة، لا يطمعون بمطامع السوء ، ولايتعاطون من الناس الحقوق ، ولا يدخلون في خصومات الناس .. يحرصون على آدابهم في الدين ومع أهل الدين ويكرهون العيوب ويهجرون أخلاق الفجور والمعاصي . هم أنوار في الأرض وغرباء في الناس ، يعرفون بسيماهم ، وكيف لا يكون كذلك من باع لله نفسه ينتظرحتفها صباح ومساء ( انظر تحفة الأعيان ، 1 / 88 –92 )
أخي القارئ لقد عرفت الفارق الكبير والبون الشاسع بين الفريقين :
فريق لا يبالي بشرع الله ، وقد استحل كل حرام لأجل السيطرة والملك.
وفريق متبع لأحكام الله في السلم والحرب. فبعد أن صد الإمام الجلندى الغزوالخارجي عن عمان ورد كيد شيبان عن بيضة الإسلام لم يستحل شيئاً من أمواله بل تكفل برد مخلفات شيبان وأفراد جيشه إلى أهلهم لأنهم أحق الناس بها.
إن تاريخ أمتنا يحتاج إلى أناس أمناء يستخرجون من وقائع التاريخ دروساً وعبراًتسترشد بها أجيال المسلمين إلى يوم القيامة. لقد صور كثير من الكتاب حكام بني أميةوبني العباس على أنهم خلفاء وأمراء للمؤمنين مع ما اشتهروا به من ظلم للأمةالإسلامية. وأخذ أولئك الكتاب على كاهلهم الدفاع الشديد المستميت عن حكام بني أميةوبني العباس وأخذوا يرمون كل غيور على حرمات الإسلام بأقبح الأوصاف وأسوأ الألقاب.
وقد تنبه أحد المنصفين ، وهو الدكتور نايف عيد جابر السهيل ، لهذا الانحراف فيكتابة التاريخ وبين السبب الذي جعل كثيراً من الكتاب يظلمون المذهب الإباضي عبرالتاريخ حيث قال :
" .. فضلاً على أن الكثيرين من الكتاب والمؤرخين كانوا يقفون من المذهب الإباضي موقفاً معادياً على طول الخط لا لشيء اللهم إلا تأييداً ومساندة لخلفاء الدولة العباسية وحكام بعض البلدان الذين تصدوا للإباضية وبذلوا الجهدالكبير للقضاء عليها تماماً أو إضعافها على الأقل. إذ كانت الإباضية بأفكارهاالسياسية المستقاة من القرآن والسنة تشكل خطراً كبيراً على الخلفاء والحكام الذين بعدوا إلى حد كبير عن الالتزام والعمل بما جاء في القرآن والسنة وبخاصة فيما يتصلب نظام الحكم ومشتملاته." (الإباضية في الخليج العربي، ص 139 )
لقد وقف الإباضيون عبر تاريخهم في وجه الظالمين والطغاة وحموا بأرواحهم الطاهرة ودمائهم العطرة أوطان المسلمين من وطأة أقدام المفسدين. فرحم الله تلك الأبدان الطاهرة وأسكن أرواحها فسيح جناته.