ونحن نرفض العلمانية لأنها..- تفتقد
الشرعية:أكثر البلاد الإسلامية
لا تحكم بشريعة الله، ولكن يحكمها أناس يحملون أسماء إسلامية، ويستعرضون
أنفسهم بين
الحين والحين في صلاة أو عمرة أو حج، فتتوهم الجماهير أن لهم (شرعية) رغم
أنهم لا يحكمون
بما أنزل الله.. فهل الحاكم إذا أبطل شريعة الله كاملة، واستعاض عنها
بالشرائع الجاهلية..
هل تكون له شرعية؟وهل يكون له على الرعية
حق السمع والطاعة؟وهل إذا قام نظام
دولة على الإقرار بحق التشريع المطلق لغير الله، وحمل الأمة على التحاكم
إلى غير ما
أنزل الله..هل تكون لهذا النظام
شرعية؟بادئ ذي بدء نقول
إنه من المتفق عليه بين العلماء إن الإمام ما دام قائماً بواجباته الملقاة
على عاتقه،
مالكاً القدرة على الاستمرار في تدبير شؤون رعيته عادلاً بينهم، فإن له على
الرعية
حق السمع والطاعة..ولكن هذا الحق في
السمع والطاعة يكون في حدود طاعته هو لله ورسوله، فإن عطّل شرع الله، فقد
خرج من طاعة
الله والرسول، ولم تصبح له طاعة على الناس، قال تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله
والرسول
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء:
59]، وظاهر
من البناء اللغوي للآية أن الطاعة لله مطلقة، كذلك الطاعة للرسول ـ صلى
الله عليه وسلم
ـ، ولكن ليست كذلك الطاعة لأولي الأمر.. ولو قال تعالى: أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول
وأطيعوا أولي الأمر منكم لوجبت طاعتهم مطلقاً كطاعة الله والرسول ـ صلى
الله عليه وسلم
ـ.
ولكن الله جل شأنه
لم يقل ذلك، وإنما عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله والرسول بدون تكرار
الأمر "أطيعوا"،
لتظل طاعتهم مقرونة دائماً بحدود ما أنزل الله، فشرط الطاعة أن يكون ولي
الأمر (منكم)
أي من الذين آمنوا، ولكي يكون ذلك فلا بد أن يرد الأمر عند التنازع (إلى
الله) أي كتاب
الله (وإلى الرسول) أي سنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.وقد أكد رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا المعنى فقال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل
عليكم
عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" [رواه
البخاري]وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"
إن أمر عليكم عبد مجدع ـ أو قال أسود ـ
يقودكم
بكتاب الله، فاسمعوا وأطيعوا"
[رواه
مسلم]. فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أنه
يشترط للسمع والطاعة أن يقود الإمام رعيته بكتاب الله، أما إذا لم يُحَكّم
فيهم شرع
الله فهذا لا سمع له ولا طاعة، وهذا يقتضي عزله، وهذا في صورة الحكم بغير
ما أنزل الله
المفسقة، أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة، وعليه فمن أجاز اتباع
شريعة غير
شريعة الإسلام وجب خلعه، وانحلت بيعته، وحرمت طاعته، لأنه في مثل هذا الحال
يستحق وصف
الكفر، والكفر هو أعظم الأسباب الموجبة لعزل الإمام، وخلعه عن تدبير أمور
المسلمين.
وقد انعقد إجماع العلماء
على أن الأمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه إذا طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو
بدعة، خرج
عن حكم الولاية وسقطت طاعته.وبناء على ذلك فإن
ولي الأمر الذي يتصرف في شريعة الله بالإبطال أو التعديل أو الاستبدال.. لا
تكون له
شرعية، لأنه فقد شرط توليه الذي يعطيه شرعية تولي الأمر وهو تطبيق شريعة
الله، أي سياسة
الدنيا بالدين.وإذن فالحكام الذين
يسوسون الدنيا بغير الدين، ويقيمون منهاج الحكم على المبدأ العلماني.. فصل
الدين عن
الدولة ـ هؤلاء الحكام ليس لهم شرعية، ولا تجب على الرعية طاعتهم، بل
الواجب على المسلم
معاداتهم وبغضهم وعدم مناصرتهم بقول أو فعل.هذا من ناحية شرعية
الحاكم.. أما من ناحية شرعية الوضع، أو ما يمكن أن نطلق عليه شرعية النظام
فنقول: يعتقد
كثير من الناس أن الأوضاع القائمة في معظم أرجاء العالم الإسلامي هي أوضاع
إسلامية،
ولكنها ينقصها تكملة هي تحكيم شريعة الله.. وفي الحقيقة إن هذا الفهم غير
صحيح، فتحكيم
الشريعة ليس تكملة لأصل إسلامي موجود بالفعل ولكنه تأسيس لذلك الأصل بمعنى
أن الأوضاع
لا تكون إسلامية إلا إذا حكمت شريعة الله، قال تعالى: {فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما}..
فأول
صفات الدولة الإسلامية التي يجب طاعتها وتحرم معاداتها هي أن يكون الحكم
الحقيقي فيها
من حيث التشريع والتكوين لله وحده.. وأن لا يكون فيها قانون خاص أو عام
يخالف الكتاب
والسنة، وأن لا يصدر أي أمر إداري يخالف التشريع الإلهي.. وأن لا ترتكز
الدولة في قيامها
على أساس إقليمي أو عرقي..ذلك أن الدولة الإسلامية
تقوم على الإسلام والانتساب للشرع، بمعنى أنها ترجع إلى أصول الإسلام وليس
إلى أصول
الكفر، مثل فصل الدين عن الدولة، أو نعرات القومية.فإذا قام نظام دولة
على مبدأ إلغاء الشريعة الإسلامية والإقرار بحق التشريع المطلق لبشر من دون
الله، والتحاكم
في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله كان هذا النظام باطلاً،
ولا تجب
طاعته..وهذا هو شأن معظم
النظم العلمانية التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة فأنظمة الحكم
القائمة الآن
في العالم الإسلامي، أنظمة علمانية مقتبسة من النظم الغربية القائمة على
مبدأ فصل الدين
عن الدولة... وهذا المبدأ يعتبر خروجاً صريحاً على مبدأ معلوم من الدين
بالضرورة، وبالنصوص
القطعية في الكتاب والسنة وإجماع العلماء كافة، وهو عموم رسالة الإسلام
لأمور الدين
وشؤون الحياة، وأن الإسلام منهاج حياة كامل ينظم سائر شؤون المسلمين في
دنياهم..وإذن فقد بلغت الأنظمة
العلمانية أقصى صور عدم الشرعية بعدولها عن حكم الله وتعدليها في أحكامه،
وإبقائها
على قوانين الكفر والشرك.. القوانين الوضعية.. التي تبيح ما حرم الله،
وتحرم ما أحل
الله.إن انعدام شرعية الأنظمة
العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة، والتحاكم إلى إرادة الأمة
بدلاً من الكتاب
والسنة.. إن انعدام شريعة هذه الأنظمة هو بديهية من البديهات.. وموقف
المسلم منها يتحدد
في عبارة واحدة.. إنه يرفض
هذه الأنظمة.. ويرفض الاعتراف لها بأي شرعية.ونحن نرفض العلمانية لأنها..- طريق
التخلف والتبعية:حين نقول للناس إن
العلمانية هي طريق التخلف والتبعية، وأننا إذا أردنا التقدم والريادة، بل
وقيادة البشرية
جميعاً، فلا بد لنا من رفض العلمانية رفضاً مبدئياً، وقبول الإسلام قبولاً
مبدئياً...
حين نقول للناس ذلك.. يفتح كثير من الناس أفواههم من العجب.. وينكر
كثيرون..فعند بعض القوم أن
طريق التقدم والريادة هو محاربة الفقهر والجهل والمرض. هو النباء الاقتصادي
المتين.
هو إزالة التخلف الحضاري والمادي والتكنولوجي.. هو إصلاح الأخلاق المنهارة:
الكذب والنفاق،
والغش والإهمال، وموت الضمير واللامبالاة.. هو إزالة الفرقة وتوحيد الصف
وتغليب المصلحة
العامة.. هو.. وهو.. وهو.. ونحن نقول: نعم لكل
هذا، فكله إصلاح، وكله مطلوب.. ولكن كيف السبيل؟ لقد جربنا خلال قرن كامل
من الزمان
أن نصلح هذا كله، وفتحنا المدراس، وأنشأنا المصانع، وسلّحنا الجيوش.. و..
و..فماذا حدث؟زادت مشاكلنا كلها
حدة، وزادت أزماتنا كلها تعقيداً. وزدنا ضعفاً وهواناً على الناس. ولم تعد
الأمم وحدها
هي التي تتداعى علينا كما يتداعى الأكلة إلى قصعتهم.. وإنما صار شذاذ
الآفاق، الذين
كتب الله عليهم الذلة والمسكنة من اليهود، هم أول المتداعين إلى القصعة،
وأول الناهشين
في الأموال والأعراض والدماء.. وما حدث ذلك إلا لوجود الزعامات العلمانية
التي تجعل
القرآن عضين وتجزئه وتمزقه، فتأخذ منه ما تشاء، وتدع ما لا يتفق مع
أهوائها.. هذه الزعامات التي
تولت زمام السلطة في ديار الإسلام في أعقاب رحيل الاستعمار العسكري المباشر
على أراضي
المسلمين، فقامت تعمل بجد واجتهاد على تذويب مجمتعات الإسلام في الغرب،
وبذلت الجهود
الخفية والمعلنة لعزل الإسلام عن الحياة، وإقامة هذه الحياة على المذهب
العلماني..
فصل الدين عن الدولة..ربما يقول قائل: وما
علاقة العلمانية بتخلفنا الحضاري والمادي والعلمي والتكنولوجي؟.. وما علاقة
العلمانية
بأخلاقنا المنهارة من كذب ونفاق وغش وإهمال، وتقاعس وموت ضمير وعدم مبالاة؟ونحن قبل أن نجيب..
نسأل: ما هو المقياس الذي نرجع إليه لقياس مدى تخلف الأمة؟.لا شك أن هذا القياس
هو القرآن والسنة، لأنه مرجع المسلمين في كل أمر من أمور حياتهم.. ولا شك
أنه كلما
اقتربنا من القرآن والسنة فنحن (متقدمون) عقيدياً وبالتالي (سلوكياً)..
وكلما تأخرنا
عن القرآن والسنة، فنحن متخلفون في مجال العقيدة وبالتالي في مجال السلوك..وماذا تعني العلمانية؟أليست تعني فصل الدين
عن الدولة، وإقامة الحياة على غير الدين، وتنحية شريعة الله عن الحكم؟إذن العلمانية هي
أقصى درجات التخلف العقيدي، والتي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى..
التخلف العلمي،
والتخلف الاقتصادي، والتخلف الحربي، والتخلف الفكري والثقافي..يقول البعض من
العلمانيين:
دعونا بالله من حديث العقيدة. تعالوا ننظر إلى الواقع. تعالوا إلى ملايين
الأفواه المفتوحة
والمعدات الجائعة.. ابحثوا معنا عن حلول عملية للمشاكل الاقتصادية التي
يعانيها العالم
الإسلامي في تخلفه المزري وفقره المدقع وكثرة سكانه وقلة موارده..ونقول: نعم. ابحثوا.
ما زلتم تبحثون منذ قرن كامل أو يزيد فبأي شيئ خرجتم؟أما نحن فنؤكد أن
أي جهد يبذل في سبيل الخروج مما نحن فيه دون رد الناس إلى المنهج الرباني،
سيظل كالأناء
المملوء بالثقوب، كلما حاولنا ملأه عاد إلى الفراغ..كيف لا ونحن نترك
الطريق الصحيح لتحقيق التقدم وهو منهاج الله الذي ارتضاه لحكم الحياة،
ونلهث وراء الرأسمالية
تارة، والماركسية تارة، والاشتراكية تارة.. ونرفض أن نفهم أن هذه
الأيدلوجيات الجاهلية
تعجز عن الخروج بالأمة من التخلف، وأنها في الحقيقة سراب خادع..إن العلمانية لم تحل
مشاكل الأمة، بل زادت هذه المشاكل تعقيداً وحدةً، فضلاً عن المزيد من
الهوان والذل
والضياع والتخلف.. وإنها لحماقة أن يستزيد الإنسان من السم ويتوهم أنه مقبل
على الشفاء..
ولذلك فلا بد من رفض هذا السم.. رفض العلمانية.. التي هي السبب الأول في
التخلف..والعلمانية كما قلنا
آنفاً هي تخلف عقيدي، بل هي أقصى درجات التخلف العقيدي وهذا التخلف العقيدي
يؤدي إلى
تخلف اقتصادي، والتخلف الاقتصادي يؤدي إلى الفقر والاحتياج، والاحتياج يؤدي
إلى التبعية..
وفي ظل التبعية تزداد المشاكل تعقيداً وتهبط عملات البلاد إلى الحضيض،
وتثقل الديون،
ويزداد الجوع والاحتياج، وهذا الاحتياج يولد التبعية مرة أخرى.. وهكذا تدور
الأمة في
حلقة مفرغة، وتصبح كالذي يخرج من حفرة ليقع في أكبر منها.. حتى يقع في
الحفرة التي
ليس منها خلاص !!. فهل نظل نقبل العلمانية
حتى نقع في هذه الحفرة التي لا خلاص منها، أم نرفض هذه العلمانية لننقذ
أمتنا من التخلف
والتبعية، ونخرج بها إلى التقدم والريادة؟ونحن نرفض العلمانية لأنها..- حكم
الأراذل والعملاء:لكل أمة من الأمم
ثوابت تعد هي القاعدة الأساسية لبناء الأمة، وفي طليعة هذه الثوابت تأتي
الهوية باعتبارها
التي تتمركز حوله بقية الثوابت، والذي يستقطب حوله أفراد الأمة.. فأي أمة
هي بنيان
يتجمع فيه الأفراد حول (هوية) ثابتة، فإذا فقدت الهوية، تفككت الأمة وضاع
الأفراد..
بل وماتت الأمة وأصبحت مطمعاً للآخرين، وتداعى عليها الأعداء. والتاريخ يثبت أن
أية أمة من الأمم تنطلق في دربها الحضاري من مجموعة الأفكار التي تمثل
هويتها.. بل
إن أية أمة لا توصف بأنها أمة إلا إذا كانت ذات (هوية) واضحة ومتميزة..فماذا فعلت العلمانية
بهوية أمتنا؟لقد جاءت العلمانية
بتنحية شرعية الله عن الحياة، فألقت الأمة وراء الحاجز الذي ظلت قروناً
طويلة تستند
إليه لتحافظ على هويتها كأمة..وجاءت العلمانية بإثارة
النعرات القومية، فلم يصبح الإسلام هو أساس الولاء والبراء وإنما أصبح
الجنس أو الوطن
هو أساس الموالاة والمعاداة، فتفرقت الأمة، ولم يصبح الإسلام هو المهيمن
على توجيه
حركتها.. وبذلك جردت الأمة من (هويتها) الإسلامية، وطرحت عليها الهوية
الوطنية كبديل
لها..ولا شك أن الهوية
الوطنية في المجتمعات الإسلامية هي في حقيقتها (فراغ اجتماعي) وأي أمة إذا
حدث فيها
فراغ اجتماعي، حدثت فيها ظواهر (اغتراب).. وفقدان (انتماء)، وهذا هو ما حدث
في ظل حكم
العلمانية، وصلنا إلى المعادلة الصعبة ـ وطن
بلا مواطنين، ومواطنون بلا وطن ـ وفقد أفراد الأمة الانتماء للأمة
وانعزل كل
فرد في داخل نفسه، وعاش همه الفردي.. وأصبح العقلاء والحكماء
من الأمة غير قادرين على التأثير لفقدهم مساندة الأمة، وصارت الكلمة
للأراذل، وصار
الحكم للسفهاء، وإذا حكم الأراذل فهو الفساد العريض، والجهود الضائعة،
واستنزاف الطاقات،
واعتقال العقول..وهذا هو ما تعانيه
مجتمعاتنا اليوم في ظل حكم الأراذل والسفهاء من زعماء العلمانية الذين يدفع
بهم أعداء
الأمة إلى القيادة بأيد خفية ليقوموا بعملية تغييب الهوية الحقيقية للأمة..
الإسلام..
واستبدالها بهويات أخرى.. وطنية أو قومية، تخرب بنيان الأمة، وتجعلها أكثر
قابلية لعملية
الامتصاص والاستغلال من قبل الأعداء..فهؤلاء الزعماء في
الحقيقة يقومون عبر العلمانية بإعادة ترتيب وتنظيم المجتمعات الإسلامية
لتكون أكثر
قابلية للتعايش مع أعدائها.. وذلك لأنهم عملاء يقومون بالدور
المطلوب منهم لقاء الأجر الذي يحصلون عليه.. سواء
كان هذا الأجر سلطاناً في الأرض أو شهرة وذيوع صيت، أو مالاً حراماً، أو
شهواتٍ دنسة..فإذا أردنا أن نسقط
هؤلاء الأراذل العملاء، فلا بد من رفض العلمانية ليكون الإسلام هو محور
اجتماع الأمة،
وتزول ظواهر الاغتراب وفقدان الانتماء.. وتدفع الأمة بأولي الألباب
والحكماء إلى القيادة..وإذا تولى أولوا الألباب
قيادة الأمة، كان الاجتماع على الإسلام، والولاء والبراء عليه، فكانت هذه
الهوية الإسلامية
حافزاً لصنع الحضارة، ودافعاً للفاعلية.. ووقتها سيكون الميلاد الجديد
للفرد المسلم
الذي يحقق في سنوات ما لا يحققه غيره في عقود، وللأمة المسلمة صاحبة الوثبة
القوية،
والانطلاقة الواسعة التي يتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على المارد
الإسلامي عبر
العلمانية.. وعبر حكم الأراذل والعملاء.وأولاً.. وأخيراً.. نحن نرفض
العلمانية لتكون:- شريعة
الله هي العليا:فقد جاء الإسلام ليكون
دين البشرية كلها، ولتكون شريعته هي شريعة الناس جميعاً ولتهيمن على ما
قبلها من الشرائع،
وتكون هي المرجع النهائي، ولتقيم منهج الله لحياة البشرية حتى يرث الله ومن
عليها.
والمنهج الذي تقوم عليه الحياة في شتى شعبها ونشاطها، والشريعة التي تعيش
الحياة في
إطارها وتدور حول محورها، وتستمد منها تصورها الاعتقادي، ونظامها
الاجتماعي، وآداب
سلوكها الفردي والجماعي.. وقد نَزّه الله شريعته
عن التناقض والفساد، وجعلها كفيلة وافية بمصالح خلقه في المعاش والمعاد..
فهي صراطه
المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها
ولا حرج..
لم تأمر بشيئ فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيئ فيقول
الحَجِي لو أباحته
لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل
خبيث، فأوامرها
غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة، وظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من
ظاهرها..
شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفصل، لا حاجة بها
البتة إلى أن
تكمل بسياسة ملك، أو رأي ذي رأي.. أكملها الله الذي أتم نعمته علينا بشرعها
قبل سياسة
الملوك فقال سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت
لكم الإسلام
ديناً}..وبقيت هذه الشريعة
تحكم حياة المسلمين منذ قيام المجتمع الإسلامي على يد رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم
ـ وفي عهد الخلفاء الراشدين، ثم الخلفاء الأمويين وإن كان بدر منهم بعض
الانحرافات،
إلا أن الحكم الذي ظل الناس يتحاكمون إليه هو شريعة الله، ثم جاءت الدولة
العباسية،
وكان الشرع أيضاً هو نظام الحكم مع وجود ثغرات قوية بعض الشيئ.. ثم جاء
التتار، وكان
كتابهم الياسق الذي تحدثنا عنه سابقاً، ولكن المسلمين لم يستسلموا له، فزال
أثره بثبات
المسلمين على دينهم وشريعتهم. وبقيت شريعة الإسلام هي الشريعة الوحيدة التي
تحكم حياة
المسلمين، يردّون إليها عند التنازع، ويتحاكمون إليها عند الاختلاف.. ولم
يحدث أبداً
أن استبدلت الأمة بشريعة الإسلام شريعة أخرى.. حتى غزت العلمانية ديار
الإسلام فقامت
بتنحية شريعة الله عن الحكم، وجعلت الشريعة الغالبة، والسلطان المهيمن، هو
سلطان غير
الله، وشريعة غير الله..ولذلك وجب على كل
مسلم أن يكفر بهذه العلمانية، وأن يرفض الأنظمة القائمة عليها، ولا يرضى
بها ولا يرضى
عنها.. حتى يعلو سلطان الله، وتعز راية القرآن وتكون شريعة الله هي
العليا..وبعد.. فلعلنا أجبنا
على السؤال الذي طرحناه في أول البحث: لماذا نرفض العلمانية؟أجبنا
حين قلنا: أن الشرع لله ابتداء، وأن شريعة الله
هي العليا.. وأن مقتضى ذلك ألا يكون معها شريعة أخرى، وإلا فمعنى ذلك هو
الشرك، واتخاذ
الآلهة مع الله، والعبادة للأرباب المتفرقين.وأجبنا
حين قلنا: إن العلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم
ما أحل الله، وقبول التحليل والتحريم من غير الله كفر وشرك مخرج من الملة،
فلا بد لنا
من رفض العلمانية لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام.وأجبنا
حين قلنا: إن العلمانية ليست معصية ولكنها كفر
بواح،
وقبول الكفر والرضا به كفر.. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية وعدم الرضا
بها لنبقى
في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام.وأجبنا
حين قلنا: إن الأنظمة العلمانية التي تقوم على
فصل
الدين عن الدولة والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة ـ هذه
الأنظمة ـ
تفتقد الشرعية وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة.. إنه يرفض
هذه الأنظمة، ويرفض الاعتراف لها بأيّ شرعية.وأجبنا
حين قلنا: إن العلمانية هي أقصى درجات التخلف
العقيدي،
والذي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى.. وهذا التخلف يولّد احتياجاً،
والاحتياج يولد
تبعية.. ولذلك فنحن نرفض العلمانية لأنها سبب التخلف والتبعية.وأجبنا
حين قلنا: إن العلمانية يحكم في ظلها الأراذل
والعملاء،
وينتج عنها ظواهر اغتراب، وفقدان انتماء، فيؤدي ذلك إلى استنزاف الطاقات،
وضياع الجهود،
وفساد عريض.. ولذلك فلا بد أن نرفض العلمانية ليسقط حكم الأراذل والعملاء،
ويتولى أولوا
الألباب قيادة الأمة، فيكون ميلاداً جديداً للأمة الإسلامية، التي تستطيع
أن تثب الوثبة
القوية، وتنطلق الانطلاقة الواسعة، وتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على
المارد الإسلامي.لمزيد من الإطلاع ـ راجع إن شئت:- العلمانية ـ سفر الحوالي.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- راجع قانون العقوبات المصري ـ المواد
267 ـ 279. وقانون العقوبات العراقي ـ المواد 232 ـ 240.
- شرح قانون العقوبات القسم الخاص ـ محمود
نجيب حسني، مجلة نادي القضاة.
- الفتاوى ج 28 ـ ابن تيمية.
- مسند الأمام أحمد ج 6 ـ تعليق أحمد شاكر.
- تحكيم القوانين ـ محمد بن سعيد القحطاني.
- الولاء والبراء ـ محمد بن سعيد القحطاني.
- نقد القومية العربية ـ عبد العزيز بن
باز.
- أهمية الجهاد في نشر الدعوة ـ عليّ بن
نفيع العلياني.
- عمدة التفاسير ـ أحمد شاكر.
- الجهاد الأفغاني ودلالاته ـ محمد قطب.
- الإمامة العظمى ـ عبد الله بن عمر الدميجي.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- الشهادة ـ صلاح أبو إسماعيل.
- مفاهيم ينبغي أن تصحح ـ محمد قطب.
- واقعنا المعاصر ـ محمد قطب.
- إعلام الموقعين ـ ابن القيم.
- في ظلال القرآن ج2 ـ سيد قطب.
الخاتمةفطوبى
للغرباء لست ممن يؤمنون أن
الإسلام يمكن أن يقوم له سلطان في الأرض بألف كتاب يُكتب عنه، ولا بالخطب
والمواعظ..
وإنما لا بد مع الكتب والخطب والمواعظ من مسلمين صادقين يمثلون الإسلام في
واقع حيّ
متحرك.. واقع تراه العيون، وتلمسه الأيدي، وتلحظ آثاره العقول..ثم إن هؤلاء المسلمين
الصادقين لا بد لهم من العمل وبذل الجهد من المال والنفس والولد حتى
يستطيعوا إخراج
الأمة المسلمة من التبعية إلى الريادة ومن الاستضعاف إلى التمكين، ومن
الفرقة والضعف
إلى الائتلاف والقوة..فإن قال قائل من
المسلمين:
ليس بيدي شيئ لمواجهة الأنظمة العلمانية؟ قلنا: بل بيدك قوة عظيمة سمّاها
الرسول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ (جهاداً) وهي قوة الرفض بالقلب.. قال عليه الصلاة
والسلام:
"ما من نبّي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب،
يأخذون
بسنته، ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون،
ويفعلون ما
لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن
جاهدهم بقلبه
فهو مؤمن، وليس وراء ذلك الإيمان حبة خردل" [رواه
مسلم]، فجهاد
الأنظمة العلمانية يبدأ من الرفض والكره بالقلب، والكره بالقلب ليس معناه
أن يعتقد
الإنسان في قرارة قلبه أن هذا منكر لا يرضى الله، ثم يكون سلوكه مع هذا
المنكر بعد
ذلك هو نفس سلوك الراضي به المقبل عليه..
بل لا بد من اعتزال
باطل العلمانية وعدم مظاهرة القائمين عليه بالعمل.. وهذا يعني البراءة من
كل منهج وتشريع
يخالف شريعة الله، ومعاداة القائمين عليه، وعدم الاعتراف بشرعية أنظمتهم.وإذا كانت الأنظمة
العلمانية تستطيل علينا بانهزامنا أمامها، فلنجاهدها بتماسكنا، وإذا كانت
الأنظمة العلمانية
تحتاج في بقائها لمناصرتنا وموالاتنا، فلنسعى في إسقاطها بمنع النصرة
والموالاة عنها..
وليكن موقفنا منها هو المعاداة والمقاطعة.وليعلم المسلم أن
المسؤولية عن الإسلام هي مسوؤلية كل من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول
الله، على
اختلاف في الدرجات، باختلاف القدرات والمواقع والظروف، وليعلم أن الإسلام
بحاجة لجهده
وإن قل.. فلا يستسلم ولا يستكين ولا ينعزل داخل كيانه الفردي..قال عز وجل: {وكأين
من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا
وما استكانوا
والله يحب الصابرين} [آل عمران:
146].
وليوقن كل مسلم أن
الباطل إذا لم تذيبه، فإنه يذيبك.. والإنسان لا يستطيع
أن يعيش طويلاً بعقيدة وتصور وقيم تخالف واقعه، وهو لا بد أن يسعى لتغيير
الواقع المخالف
لعقيدته وتصوره وقيمه، وإلا فإن استقرار الواقع المخالف لتصوراته وقيمه،
يهدد هذه القيم
وتلك التصورات بالتغيير.. وأكبر شاهد على ما نقول هو واقع المجتمعات عن
التصور الإسلامي
الصحيح.. بعد واقعها عن النظام الإسلامي للحياة ونُحّيت شريعة الله عن
الحكم.. ثم إن هذه التنحية
لشريعة الله وفصل الدين عن الحياة.. أخذ بدوره يبعدها عن الصور الإسلامي من
جديد..
وهكذا ظلت المجمتعات الإسلامية تدور في هذه الحلقة المفرغة حتى أصبحت غريبة
غربة كاملة
عن الإسلام.. وظهرت فيها آلهة تمشي على الأرض.. زعماء وكبراء وقادة..
يزعمون لأنفسهم
حق التشريع المطلق للشعوب.. يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمون ما يشاؤون، ويعطلون
من أحكام
الله ما يشاؤون !!.وبعد أن كانت قضية
تفرد الله عز وجل بحق التشريع المطلق بديهية في عقل وحس كل مسلم، رأينا من
علماء الضلال،
وخطباء الفتنة من يُلَبّس على المسلمين هذه البديهية، ويطرح للبحث إمكانية
إشراك الله
عز وجل في التشريع والحكم مع القادة والحكام و... إلى آخر هذه الدواب
الحقيرة..وصدق رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ،
فطوبى للغرباء"
[رواه مسلم]. ولقد بدأ الإسلام بدعوة
التوحيد الخالص في وجه الشرك.. ولقد
عاد الإسلام يواجه الشرك في صوره الجديدة.. بدعوة التوحيد الخالص من جديد..فمن يا ترى أولئك
الغرباء ـ السعداء ـ بدعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم
بالحسنى؟.. إنهم الذين
يحملون راية التوحيد الخالص في وجه الشرك من جديد.. ليبدأوا الجولة الثانية
كما بدأ
أصحاب رسول الله الجولة الأولى..إنهم الذين يحملون
رسالة هذا الدين لكل البشرية بالنجاة من الشرك.. ليخرجوا من شاء الله من
عبادة العباد
إلى عبادة الله الواحد..وهذا هو القرآن حاضر..
وريح الجنة تفوح من بعيد.. لا.. بل من قريب. المصادر
والمراجع
أولاً:-
القرآن الكريم.-
السنة المطهرة.ثانياً: التفاسير:-
تفسير القرآن
العظيم ـ
الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير.-
أنوار التنزيل
وأسرار
التأويل ـ عبد الله البيضاوي.-
الجامع لأحكام
القرآن ـ
أبو عبد الله القرطبي.-
أحاكم القرآن ـ أبو
بكر
الجصاص.-
أضواء البيان في
إيضاح
القرآن بالقرآن ـ محمد الأمين الشنقيطي.-
مدارك التنزيل
وحقائق
التأويل ـ عبد الله النسفي.-
عمدة التفاسير ـ
اختصار
وتحقيق أحمد شاكر.-
في ظلا القرآن ـ
سيد
قطب.ثالثاً: شروح كتب الحديث:-
فتح الباري في شرح
صحيح
البخاري ـ ابن حجر العسقلاني.-
صحيح مسلم ـ شرح
الأمام
النووي.-
مسند الأمام أحمد ـ
تعليق أحمد شاكر.رابعاً: كتب وفتاوى الأمام ابن تيمية:-
الفتاوى الكبرى.-
اقتضاء الصراط
المستقيم
مخالفة أصحاب الجحيم.-
العبودية.-
قاعدة جليلة في
التوسل
والوسيلة.-
الفرقان بين أولياء
الرحمن وأولياء الشيطان.-
الصارم المسلول على
شاتم الرسول.-
مختصر الفتاوى
المصرية.-
الرسالة التدمرية.خامساً: كتب الأمام ابن القيم:-
مدارج السالكين.-
أعلام الموقعين عن
رب
العالمين.-
زاد المعاد في هدى
خير
العباد.-
طريق الهجرتين.سادساً: رسائل جامعية:-
الأمامة العظمى ـ
عبد
الله بن عمر الدميجي ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة أم القرى بمكة المكرمة
عام 1403
هـ.-
العلمانية ـ سفر بن
عبد
الرحمن الحوالي ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة أم القرى بمكة المكرمة.-
أهمية الجهاد في
نشر
الدعوة الإسلامية ـ د. على بن نفيع العلياني ـ رسالة دكتوراة قدمت إلى
جامعة مكة
المكرمة عام 1404 هـ.-
الولاء والبراء ـ
محمد
بن سعيد القحطاني ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة مكة المكرمة عام 1401 هـ.سابعاً:
من
كتب الأستاذ سيد قطب:-
معالم في الطريق.-
مقومات التصور
الإسلامي.ثامناً: من كتب الأستاذ محمد قطب:-
حول تطبيق الشريعة.-
مقرر علم التوحيد ـ
وزارة المعارف السعودية.-
مفاهيم ينبغي أن
تصحح.-
الجهاد الأفغاني
ودلالاته.-
واقعنا المعاصر.تاسعاً: كتب أخرى:-
شرح العقيدة
الطحاوية ـ
لأبي العز.-
فتح المجيد شرح
كتاب
التوحيد ـ الشيخ عبد الرحمن ابن حسن آل الشيخ.-
تيسير العزيز
الحميد في
شرح كتاب التوحيد ـ سليمان بن عبد الله.-
تحكيم القوانين ـ
الشيخ
محمد بن إبراهيم ـ مفتي الديار السعودية سابقاً.-
البداية والنهاية ـ
ابن
كثير.-
العقيدة وأثرها في
بناء
الجيل ـ عبد الله عزام.-
الشريعة الإسلامية
لا
القوانين الجاهلية ـ د. عمر الأشقر.-
أحكام إسلامية
إدانة
للقوانين الوضعية ـ المستشار محمود عبد الحميد غراب.-
نقد القومية
العربية ـ
الشيخ عبد العزيز بن باز.-
مدخل دستوري ـ د.
سيد
صبري.-
نظرية القانون ـ د.
فؤاد عبد الباقي.-
قانون العقوبات
المصري،
والعراقي، نقلاً عن كتاب الموالاة والمعاداة ـ محماس بن عبد الله الجلعود.-
الشهادة ـ الشيخ
صلاح
أبو إسماعيل.عاشراً:-
مجلة البحوث
الإسلامية
ـ العدد 25 رجب، شعبان، رمضان، شوال ـ عام 1409 هـ.-
مجلة نادي القضاة ـ
عام
1981 م.-
صحيفة الأهرام ـ
عدد
الخميس 29 جمادي الآخر عام 1402 هـ.