منتدى أهل عُمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلابك زائرنا الكريم شرفتنا في بلدك عمان
منتدى أهل عُمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلابك زائرنا الكريم شرفتنا في بلدك عمان
منتدى أهل عُمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى أهل عُمان

منتدى إسلامي شبابي هادف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا وسهلا بكم في منتدى اهل عمان

 

 المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
جمعة الناصري

جمعة الناصري


ذكر عدد المساهمات : 365
تاريخ التسجيل : 20/08/2009

المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي   المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي I_icon_minitimeالجمعة 14 مايو 2010, 05:15



























المسلمون
والإنترنت


















محاضرة
لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي



















































بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد
لله ذي الفضل العظيم، و الإحسان العميم، الذي يدعوا إلى دار السلام يهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم، أحمده تعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم سلطانه، و أشهد أن لا إله الله
وحده لا شريك له، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده و رسوله، أرسله الله هاديا و
بشيرا و نذيرا، و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا، فبلغ الرسالة و أدى الأمانة
و نصح الأمة و كشف الله به الغمة، صلوات الله و سلامه عليه و على آله و صحبه
أجمعين، و على تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد..


فالسلام عليكم أيها المؤمنون و رحمة الله و
بركاته.



إن من فضل الله تعالى أن
من علينا بهذا الاجتماع في هذا الصرح العلمي؛ في هذا الجامع العتيد، بعد أن انقطع
برهة من الزمن، ليتجدد بذلك تفيؤنا ظلال المعرفة بإذن الله و استمدادنا نور الله
تبارك و تعالى مما أنزله في كتابه و مما جاءت به سنة رسوله صلى الله عليه و سلم،
فالحمد لله على هذه الفرصة السانحة.



هذا..


و حديثنا في هذه الليلة المباركة يدور حول قضيه
تشغل الجميع قضية ترتبط بأحداث العصر وهي قضية الحوار الذي يجب أن يكون بين
المسلمين أنفسهم.



فإن الله تبارك و
تعالى خلق الإنسان ليتحمل أمانه و ليضطلع بواجب مقدس ألقاه الله تبارك و تعالى على
عاتقه ليتحمل تبعته. فهو ليس كغيره من الكائنات التي نشاهده،ا هو مسئول عما يقدم
وما يؤخر لأن الله تعالى اصطفاه من بين سائر الكائنات ليكون خليفة في الأرض و
الخلافة إنما هي قيام بواجب بحسب أمر المستخلف. فمعنى هذه الخلافة أن يكون هذا
الإنسان مؤديا للواجب الذي بينه و بين ربه و مراعيا أمر الله سبحانه وتعالى الذي
استخلفه في هذه الأرض و مكنه في هذا الكون حتى لا يخرج عن حدوده ولا يتجاوز شرعه
إلى ما لم يأذن به الله سبحانه.



ومن
المعلوم أن الله سبحانه خلق الناس متفاوتة مشاربهم متباينة أفكارهم مختلفة نزعاتهم
و نزغاتهم. فلذالك كان الاختلاف سنة من سنن الله تعالى في هذا الكائن البشري،
فالله تعالى يقول:-



(وَلاَ يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)



هذا
الاختلاف - بطبيعة الحال- قد يؤدي إلى
النزاع و الفرقة وقد يؤدي مع حسن النية فيما بعد إلى التفاهم و تضييق هذه الفجوة
التي تكون بين المختلفين. و من المعلوم أن الناس لا يجمعهم شيء كما يجمعهم الإيمان
بالله واليوم الآخر و المسارعة إلى طاعته سبحانه وابتغاء ما عنده تبارك وتعالى،
وما عند الله خير وأبقى، فإن ذلك هو الذي يجمع شتيت البشر. و قد أرسل الله تعالى
رسله بما يجمع هذا الشتات، ويؤلف هذه القلوب و يرأب هذا الصدع، ويوحِّد هذه
الجماهير، لتلتقي في ظلال العبودية لله سبحانه وتعالى.



و
قد أمر الله عز وجل أن تردم هوة الخلاف بالدعوة إليه، ففي معرض أمر هذه الأمة بأن
تكون أمة وَحدة، كما أنها امة توحيد، جاء الأمر بان تكون أمة دعوة.



فالله
سبحانه عندما قــــال:



( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ
عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران 102-103



أتى
بعد ذلك بما يدل على أن هذه الوحدة إنما تُضمن بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، فالله سبحانه وتعالى أتبع ذلك قوله:



( وَلْتَكُن مِّنكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ) آل عمران 104



ثم
أتبع ذلك مرة أخرى ما يدل على وجوب الاعتصام بحبله و تفادي أسباب الفرقة و
الاختلاف عندما قال :



( وَلاَ تَكُونُواْ
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ،
يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ
أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ ) آل عمران 105-106



ففي
الإتيان بهذا الأمر الرباني بأن تكون هذه الأمة امة دعوة إلى الخير و أمر بمعروف و
نهي عن منكر ــ بعد الأمر لهذه الأمة بان تتوحد ولا تختلف و قبل تحذيرها من أن
تسلك مسلك من قبلها في التنازع و الاختلاف في ما جاء من ربها سبحانه و تعالى ــ
دليل على أن هذه الوحدة فيما بين هذه الأمة إنما هي مضمونه في بقاء الدعوة إلى
الخير و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك لان هذه الدعوة هي التي تبصر الناس
بالطريق الأسلم، و توجه الناس إلى ما يرضي ربهم الله سبحانه وتعالى، و تدل الناس
على ما يجب أن يُتّقى، و على ما يجب أن يُبتغى، و يحرصون على ما يُبتغى، ويتقون ما
يجب أن يُتّقى، و هذه الدعوة ليست بطريقة عشوائية، و إنما بطريقه فيها مراعاة مشاعر
الناس و أحاسيسهم، فالدعوة يجب أن تكون على بصيرة كما يؤذن بذالك قوله تعالى:



(قُلْ
هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
) يوسف 108


فالبصيرة تقتضي أن يكون الإنسان قبل كل شيء
حريصا على التزام ما يدعوا إليه من الخير حتى لا تكون هنالك فجوة بين أعماله و
أقواله لأن تلكم الفجوة لا تؤدي إلى مجرد اتهام القائل وحده وإنما تؤدي أيضا إلى
اتهام ما يدعو إليه و ما يقوله، تؤدي إلى الشك والريبة في المبادئ التي يدعو
إليها، والبصيرة تقتضي أن يراعي الداعية مشاعر الناس و لذالك جاء الأمر الرباني
موجها إلى شخص الرسول صلى الله عليه و سلم من حيث لفضه وموجها إلى جميع الأمة من
حيث فحواه، جاء هذا الأمر بأن تكون هذه الدعوة بالتي هي أحسن فالله سبحانه و تعالى
يقول:






(وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
فصلت 34


وجاء
الأمر بأن تكون هذه الدعوة بالحكمة؛ و الحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها فالله
تعالى يقول:



( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل 125



و
لإن كانت الحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها، فإن الحكمة تقتضي أن يكون الداعية حريصا
جدا على مراعاة مشاعر اولئك المدعوين، و أن يتألفهم، وان يجتذبهم بقدر مستطاعه، لا
أن ينفرهم. فالدعوة لا تكون بطريقة التنفير، لان آثار هذه الدعوة التي تكون بطريقة
التنفير آثار سلبية، فهي تؤدي إلى نتائج عكسية، بخلاف الدعوة التي تكون بالتأليف و
التقريب، كذلك نجد أن الله سبحانه و تعالى يوجهنا إلى أن نقول للناس جميعا حسنى،
فهو تعالى يقول:



( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83 ، و في قراءة أخرى: ( وَقُولُواْ
لِلنَّاسِ حَسَنا ) ً
، أي قولا حسنا. مؤدى القراءتين قول واحد.
ونجد أننا لم نؤمر أن نقول للمؤمنين وحدهم حسنى، وإنما أُمِرنا أن نقول لجميع
الناس حسنى، فمعنى ذالك أن الداعية عندما يدعو أي أحد كان إنما يدعوه بالتي هي
أحسن، يقربه و لا يبعده، و يؤلفه ولا ينفره.



هذا.
ومن المعلوم أن وسائل الدعوة متنوعة و متطورة بتطور هذا الإنسان فقد كانت الوسيلة
الوحيدة إلى الدعوة إلى الله تبارك و تعالى هي الكلمة تقال باللسان أو تكتب بالقلم
ثم تنتقل بعد ذلك عبرهذه الكتابة أو عبر النقول، نقول الألسن لها بحيث تصل إلى
أسماع الناس في أنحاء مختلفة. والأمر الآن أصبح ميسرا تيسيرا لم يكن يدور على بال
أحد من قبل، فهنالك و سائل متنوعة لإبلاغ الدعوة. جميع و سائل الإعلام هي وسائل
لإبلاغ هذه الدعوة للناس، وقد تطورت هذه الوسائل شيئا فشيئا تطورا مذهلا، ووصلت
إلى حد لا نتصور ما بعده، وإنما يكفينا أن نتصور بأنما وصلت إليه هو شأو بعيد لم
نكن يتصور فيما قبل. ومن بين هذه الوسائل شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) التي
يمكن لأي إنسان أن يبث فيها ما يشاء و أن يجلّي فيها فكره، و هذا -على أي حال- من
تسخير الله تبارك و تعالى منافع هذا الكون للإنسان و ذلك من معالم استخلافه في
الأرض وقد هيأ له الأسباب وجعل حياته مبنية على هذا التطور المذهل و جعل الأجيال المتعاقبة
على محيط هذه الأرض كل جيل يأتي بجديد من الابتكارات ذلك دليل على أن الإنسان هيئ
لأن يكون خليفة في الأرض، و لأن يكون سيدا في هذا الكون.



و لكن مع هذا نحن نأسف أن يكون المسلمون في هذا
كغيره إنما يعيشون على الفتات الذي يتساقط من أيدي الآخرين، فهم بسبب تخلفهم في كل
المجالات أصبحوا عالة على الآخرين، فهذه الوسائل إنما صاروا فيها عالة على
الآخرين. ولكن لا يمنع ذلك أن تستغل استغلالاًحسناً. فلأن كانت أوجدت بادئ الأمر
من قِبَل الذين أوجدوها لأهداف غير هذه الأهداف، و غايات غير هذه الغايات، فإن على
المسلمين أن يستغلوها في ما يؤدي إلى الخير، و لكن هذا الاستغلال إنما يجب أن يكون
بالطريقة التي ترضي الله تبارك و تعالى.



هذه الأمة أولا كما
قلنا هي أمة وحدة مطالبة أن تتحد، و مأمورة بأن لا تتفرق. و نحن عندما ننظر في
كتاب الله تعالى و في سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، نجد أن هذا الدين في كل
كلّية من كلّياته و في كل جزئيّة من جزئيّاته يؤدي إلى الاتّحاد بين الناس إن مورس
بالطريقة التي ترضي الله سبحانه و تعالى؛ فعندما يؤدي الإنسان شعائر دينه على
الوجه الأمثل الذي يرضي الله سبحانه و تعالى تؤدي به هذه الشعائر إلى أن يكون عضوا
بناء في أمته، يبني هذه الأمة، و أن يكون لبنة في جدارها، لبنة لا تُخترق، كذالك
كل ما شرعه الله سبحانه و تعالى في الإسلام وأمر به من آداب وأخلاق و معاملات إنما
يؤدي إلى هذه الغاية، فنحن لسنا بحاجه إلى أن ننظر لكل جزئيه من هذه الجزئيات.
حسبُنا أن كل عبادة تؤدي إلى االاعتصام بحبل الله المتين، وإلى التآلف بين
المؤمنين. فالصلاة تقرب المؤمنين بعضهم من بعض، وحسبهم هذه اللقاءات التي تجمعهم
من أجل الصلاة في بيوت الله، بحيث تلتقي هذه الصفوف ماثلة بين يدي الله سبحانه و
تعالى وتنحني هذه الظهور لجلال الله وتتطأطأ له هذه الرؤوس من غير مراعاة لفرق بين
أحد وآخر فكل بإمكانه أن يقف بجانب الآخر، القوي والضعيف معا، و الغني والفقير
معا، والأبيض و الأسود معا، الكل يقفون بين يدي الله سبحانه و تعالى. و هذا مما
يحطم الحواجز، و يبدد الفوارق، و يذيب العنصريات، ويقضي على النزعات و النزغات،
حتى تكون الأمة أمة واحدة. مع ما تبديه هذه الصلاة على المؤمنين من مشاعر الإحساس
بوجوب التآلف والترابط والتناصر، فكل من ذلك يؤدي إلى الوحدة بين الأمة.



كذلك إذا جئنا إلى
الزكاة هي أيضا تضيق الفجوة بين الأغنياء و الفقراء، وتقرب بين هؤلاء و هؤلاء إلى
هؤلاء، وتجعل هذه المشاعر منسجمة حتى لا يكون هنالك استبداد بالثورة، و لا تكون
هنالك بغضاء، و لا يكون هنالك حسد، فهذه الزكاة تؤدي إلى الوحدة. كذلك الصيام.
فإنه بما يقتضيه من حسن الأدب، و من حسن المعاملة، يؤدي إلى تضيق الفجوة بين
المؤمنين، وإلى مراعاة مشاعر الناس أجمعين، وإلى كف الأذى عن كل أحد، بل وإلى
احتمال الأذى من الغير، كما يؤذن بذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم:
(الصيام جُنة، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا
يرفث و لا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم).



كذلك الحج ذلك اللقاء
العظيم الذي يجمع شتات المؤمنين، و تلتقي في عرصات الحق وفودهم من كل مكان من أجل
تلبية داعي الله سبحانه و تعالى و الوقوف أمام بيته المحرم وممارسة تلك الشعائر
التي تنقي النفوس وتهذب الأرواح و تسمو بالمدارك وتجعل من هذا المسلم عضوا بناءاً
فعالاً في مجتمعه و أمته، يحرص على ما فيه مصلحتها وعلى تجنيبها من ما فيه
مفسدتها.



كذلك
إذا جئنا إلى الآداب المشروعة في الإسلام، نجد أن هذه الآداب جاءت بما تضيّق
الفجوة ما بين المسلمين، و يوحد مشاعرهم، و يوجِد الانسجامَ بينهم. و لننظر إلى
قول الله تعالى :



( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ
قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن
نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن
لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ، يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات 11-13



فعندما
نتأمل هذه الآيات، نجد أن فيها ما يدعو إلى الترابط و التآلف و التناصر و الإحساس
بمشاعر واحدة وعدم الإختلاف بين المؤمنين. كذلك كل توجيه يأتي من قبل الله تعالى
فيه مراعاة لهذا الجانب، فعندما نرى في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يدعو
إلى الأخلاق حتى في التجارة وغيرها من المعاملات بحيث يراعي الإنسان غيره :
( لا يخطب أحدكم على خِطبة أخيه ولا يساوم
على سومه )



نجد
بطبيعة الحال أن الإسلام ما جاء إلا ليوحد ويؤلف و يقرب وليجعل الأمة أمة واحدة.
من أجل ذلك شدد الله سبحانه و تعالى أولئك الذين اختلفوا و كان بينهم الشقاق، فالله
سبحانه و تعالى يقول:



( إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا
أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) الأنعام
159



كذلك سبحانه و تعالى
يقول:



(... وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ
فَرِحُونَ ) الروم 31-32



فإذن.
هذا مما يدل على أن الأمة عليها أن تـحرص على الوحدة و أن تتجنب ما يدعوا إلى
الاختلاف و الفرقة و الشتات و النزاع و الشقاق فيما بينها.



لا
ريب أن ما كان من نتوءات مشوِّهة في وجه هذه الأمة يجب أن تزال. و لكن على أن يكون
ذلك بالحكمة لا بالطريقة المنفّرة، فقد يختلف الإنسان مع غيره و لكنّ هذا الإختلاف
يجب أن يكون مصحوبا بأدب، و أن يكون مصحوبا بتأليف و تقريب، لا بتنفير و إبعاد.
ونحن نرى أن الله تعالى يدعوا حتى في الحوار ما بين المؤمنين و الكفرة أن يكون هذا
الحوار بطريقه فيها رفق، بطريقه فيها تأليف، بطريقة فيها تقريب؛ فكيف مع غير
هؤلاء. فالله تعالى يقول :



(وَلَا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت 46



هكذا
يأمر الله سبحانه و تعالى عباده المؤمنين أن يجادلو أهل الكتاب بالتي هي أحسن، و
أن يبينوا لهم أخطاءهم التي حصلت، بطريقه ليس فيها تنفير، وإنما بطريقه فيها
إقناع. فإن اللطف هو الذي يؤدي إلى الإقناع، و يؤدي إلى التقارب وإلى القبول، و
هذا مما يدل على أن الله سبحانه و تعالى يرضيه عنا أن نكون حريصين على اتِِباع هذا
الأمر، لا أن نكون مخالفين له، فإن أمر الله تعالى يجب أن يُتََبع، و ما أرشد إليه
يجب أن يؤخذ به و لا يفرط فيه. فإذن من شكرنا لنعمة الله تبارك وتعالى على ما أنعم
علينا من هذه الوسائل أن نجعل هذه الوسائل وسائل تقريب، وسائل إقناع، وسائل إرشاد
وتوجيه، وسائل حوار بالتي هي أحسن، لا بطريقه منفرة.



على
أن الأمة الإسلامية في وقتنا هذا تتعرض لهجمة شرسة؛هجمة من كل ناحية من
النواحي؛فهي تتعرض لهجمة عسكريه، وهجمة سياسية، وهجمة اقتصاديه، وهجمة ثقافية و
فكريه. بل يراد لهذه الأمة أن تصاغ معتقداتها وفق مفاهيم جديدة ترضي اولئك
المتسلطين اليوم في الأرض حتى تفقد هذه الأمة مقومات فكرها، وتكون أمة خانعة، أمة
ذليلة أمة مستجيبة لكل داع، أمة تنسى مواريثها الفكرية؛تنسى الاستمساك بكتابها،
حتى تفسير الكتاب العزيز وتفسير السنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة و السلام-
إنما يراد أن يكون وفق المعايير التي وضعها اولئك، حتى لا تخرج هذه الأمة عن
النهج، و كذلك ممارسات العبادات حسب ما يراد لها إنما تكون وفق ما يرضي اولئك، ولو
كان في ذلك خروج عن مقتضى حكم الله تبارك و تعالى، وما جاء به أمره. إنما يراد أن
يفرض على هذه الأمة اليوم منهج غير منهجها، و فكر غير فكرها، و معتقدات غير
معتقداتها. كل ذلك من أجل مسخ هذه الأمة لتكون أمة ممسوخه، أمة بعيده عن ربها
سبحانه وتعالى و كتابه ونبيه ودينه الحنيف، وهذا مما يقتضي أن تتيقظ الأمة، فإلى
متى توخز و هي لا يستيقظ ضميرها؟! على الأمة أن تستيقظ و أن تدرك أخطار ما يراد
بها!



فإذن
المصائب ـ كما قيل ـ يجمعن المصابين في مثل هذا الموقف. الواجب على كل واحد من
أفراد الأمة أن يسعى إلى جمع شملها، ورأب صدعها و توحيد كلمتها و لملمة شتاتها،
والقضاء على أسباب الفرقة والخلاف بينها. أنا لا أقول بأنه لا يكون هنالك حوار،
ولا أقول بأنه لا يكون هنالك شيء من الجدل بالتي هي أحسن، لا أن يكون ذلك بالأسلوب
المفرّق؛ الأسلوب الذي يؤدي إلى مزيد تعميق الجراح في جسم الأمة الواحدة، بل في
قلب هذه الأمة. فإذن هذه الوسائل يجب أن تؤخذ بهذه الطريقة بحيث تُستخدم فيما يجمع
الشتات، لا فيما بفرق و يشتت و يجعل الأمة أكثر فرقة و أكثر خلافا.



على
أن سوء الاستغلال لهذه الوسائل قد أدى أيضا إلى وجود الاختلاف في المدارس
الإسلامية، حتى في المدرسة الواحدة،
تجد أبناء المدرسة الواحدة
يفترقون فيما بينهم ويشتد الخلاف، و ربما كان هذا الخلاف من أجل شيء بسيط.



ثم
ربما كان هنالك تطاول على أصحاب الاختصاص. مع أن كل واحد يجب أن يراعى اختصاصه.
ولإن كان النبي صلى الله عليه و سلم وقد أوحي إليه بالكتاب العزيز الذي ما فُرِّط
فيه من شيء، الذي فيه كما جاء في الحديث:
(نَفْعُ مَنْ
قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ)
، والذي كان نفسه معجزة من كل
جانب من الجوانب؛من حيث الخبر، و من حيث التشريع، و من حيث البيان. و لكن مع ذلك،
النبي صلى الله عليه و سلم قال:
(أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْياكُمْ). فكيف بغيره صلى الله عليه
وسلم؟! فهنالك للناس تخصصات من أجل أن يكون هنالك تكامل بين الناس، ومعنى هذا أن
تجاوز أحد حدود ما يتقن و يحسن إلى حدود ما لا يتقنه وما لا يحسنه، و محاولة
التطاول على أصحاب الاختصاص في اختصاصهم، هذا أمر غير مقبول. على أن العدو المشترك
اليوم إنما يتربص الدوائر بالأمة جميعا كما قلت. لا يرسل قذائفه ضد أحد دون
غيره؛فهو لا يستهدف فكراً معينا من الأفكار الموجودة في الأمة الإسلامية أو مدرسةً
معينةً من مدارس هذه الأمة الإسلامية، وإنما يستهدف الإسلام نفسَه بكل صوره، وبكل
أشكاله، و بكل مدارسه. فهو يريد كما قلنا أن يمسخ الإسلام و يقضي على الإسلام.



الحوار
مطلوب، لكن يكون الحوار يجمع و لا يشتّت، ويؤلّف ولا ينفّر، ويقرّب ولا يبعّد، و
يقوي ولا يضعف. فالله تبارك وتعالى يقول:



(وَلاَ تَنَازَعُواْ
فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الأنفال 46



هذا مما يجب أن يتنبه له الكاتبون في هذه الشبكات، في شبكات
المعلومات حتى لا يتهدم بنيان الأمة.



و على أي حال، هناك مجالات متعددة يمكن أن تكون
الكتابة فيها بمشيئة الله تعالى مثمرة. فحسب الإنسان أن ينظر فيما يجمع هذه الأمة.
نحن كم سمعنا من مقالات فيما بين الأمة و كم قرأنا مما كتب فيما بين مدارس هذه
الأمة و أبناء هذه الأمة من الاختلاف والتنازع كثيراً ما يكون ما يُكتب وما يبث
إنما هو في أسباب الفرقة وفي ما يبعِّد البعض عن الآخر. بينما هنالك أسباب للتقارب
متعددة! فلماذا لا يُكتب فيها؟ لماذا لا يكتب الكاتبون فيما يوحّد وفي ما يعرّفهم
بالخطر الداهم الذي جاء ليجتثهم وليلقهم في مكان سحيق في هذا الوجود؟ هناك على أي
حال قواسم مشتركه ما بين الأمة جميعا. فحسب الأمة أن تكون جميعا متفقة على أركان
الإسلام. هذا مما يجب أن يراعى في الوَحدة بين الأمة. اتفاق الأمة على أركان
الإسلام رحمة و خير كبير، إذ لا خلاف في هذه الأركان الخمسة وهي: شهادة أن لا إله
إلا الله، و أن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، و صيام رمضان، وحج
بيت الله المحرم. لاخلاف في ذالك. كذلك معظم أركان الإيمان اتُّفِق عليها بين
الأمة؛ فالإيمان بالله، و ملائكته، و كتبه، و رسله، و اليوم الآخر، هذه الأركان
الخمسة متفق عليها، وإنما أختلف في الإيمان بالقدر خيره و شره من الله تعالى، وقع
خلاف منذ عهود قديمة بين الأمة على أن الجمهور متفقون أيضا على الإيمان بقضاء الله
تعالى و قدره. و معني ذّلك أن أصول الإيمان و قع الاتفاق فيها بين الأمة. فلماذا
لا نذكِّر بهذا الاتفاق بدلا من أن نسعى دائما إلى الحديث في الاختلاف الذي يعود
إلى التفسيرات و الجزئيات؟! لماذا لا نحرص على تذكير الأمة بالاجتماع و الإتحاد في
هذه الكليات التي تجمع بينهم؟!



كذلك
من حيث أن الأمة جميعا تحج بيتا واحدا و هو البيت الحرام، فليس هنالك من حجه إلى
غير هذا البيت، ثم أن القبلة هي قبلة واحدة. أيضا هذا البيت المحرم، الكل يستقبله.
مما يدعوا إلى الوحدة و يدعو إلى الألفة، و يدعوا إلى جمع الشمل. إلى غير ذلك من
الأسباب الكثيرة الكثيرة .. أصول الإسلام اتُفق عليها فلماذا لا يكون التركيز على
هذه الجوانب.



نحن ندعوا الكتََاب من كل المدارس أن يسعوا إلى
هذا الأمر. و أصحاب المدرسة الواحدة هم الأولى فيما بينهم أن يلملموا شتاتهم و ألا
يكون هنالك افتراق و تنازع و ألا يكون هنالك ما يؤدي إلى نقض الأسس. عليهم أن
يسعوا، مع التقدير الذي أشرت إليه لأصحاب التخصصات في تخصصاتهم، فإن أولئك ربما
يدركون ما لا يدرك غيرهم، فلكل أحد تخصصه. مجالات العلوم أنفسها متباينة؛ هنالك من
يتخصص في علم العقيدة، و هنالك من يتخصص في علم التفسير، وهنالك من يتخصص في علم
الحديث، و هنالك من يتخصص في علم الفقه، وهنالك من يتخصص في علم الأصول، وهنالك من
يتخصص في مجالات أخرى متعددة. فإذن أصحاب التخصصات يجب أن تراعى تخصصاتهم في هذا
الأمر، لأنهم أبصر بما تخصصوا فيه، مع كون بعض الناس قد يُمنحون من الله تبارك و
تعالى الموهبة ليجمعوا فنونا متعددة، كأنما الواحد منهم قد تخصص في كل فن من تلكم
الفنون تخصصا منفردا، هذا من مواهب الله سبحانه و تعالى لمن يشاء من عباده، فهذه
الجوانب نحن علينا أن نراعيَها و أن نراعيَ مصلحة هذه الأمة، فإن مصلحتها إنما في
الإتحاد. والظروف يجب أن تقدر، و يجب أن تراعى، فما الداعي في الظروف الحالكة
المكفهرة التي عبثت في وجه هذه الأمة ــ فما الداعي ــ أن تعتني هذه الأمة بما يزيدها تشتتا و يزيدها
اختلافا و وهنا و ضعفا، إن الأمة هي لمطالبه بالحفاظ على دينها؛ بالمحافظة على
كتاب ربها وعلى النهج الصحيح الثابت عن رسولها صلى الله عليه وسلم وعلى معتقداتها
الصحيحة المستمدة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.



و
لإن كانت هنالك ملاحظات فإن هذه الملاحظات يجب أن تكون دراستها كما قلت بطريقة
هادئة هادفة؛ بطريقه لا تؤدي إلى التفرق و التشتت والتشرذم وإلى مزيد النكاية بهذه
الأمة وإضعافها وإيهانها، فإن ذلك مما يجعل آثار هؤلاء الناس سلبية على الأمة.
ندعوهم إلى الحرص على و حدة الصف و رأب الصدع، و توحيد الكلمة، و التيقض لما يراد
لهم.



مما
يؤسف له أن كثيرا من الناس ربما اشتغلوا بالجزئيات و تركوا الكليات، ولربما اشتغل
بعضهم بمسائل الرأي، و أهملوا مسائل الدين، فلا بد من التفرقة بين مسائل الدين و
مسائل الرأي. مسائل الدين هي المسائل القطعية؛ والقطعية لا تكون إلا بأن يكون
الدليل الذي دل على تلكم المسائل دليلا نصيا من كتاب الله، أو من السنة المتواترة
عن النبي عليه أفضل الصلاة و السلام؛ أي أن يكون ذلك الدليل قطعي الدلالة وقطعي
المتن معا، قد يكون الدليل قطعي المتن و لكنه لا يكون قطعي الدلالة، فقطعي المتن
هو المتواتر، فالمتواتر هو القطعي من حيث متنه، و لكنه قد يكون ظني الدلالة عندما
يكون غير نصي، بأن يكون ظاهرا فحسب كالعمومات. فإن العام لا تجاوز دلالته أن تكون
دلالة ظنية و لذلك كثر التخصيص في العمومات الفقهية. هذا بالنسبة إلى العمومات
الفقهية؛ لا بد من أن نفرق بين العمومات الفقهية و العمومات التي جاءت في قضايا
الاعتقاد. في قضايا الاعتقاد عندما يكون الدليل العام لا يمكن تخصيصه أي يحيل
العقل أن يكون مخصَّصا فإنه دلالته تكون أيضا قطعية، إذ قطعيته بسبب استحالة
تخصيصه. نحن لو جئنا إلى قول الله تبارك و تعالى



( وَأَنَّهُ تَعَالَى
جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) الجن 3



لا نستطيع أن نقول بأن هذا عام و قد خصص بشيء من
المخصِّصات، لأن العقل يقضي باستحالة أن يتخذ الله سبحانه وتعالى أي صاحبة و أي
ولد. فلا يمكن أن يقال اتخذ الله فلانا ولدا أو اتخذ فلانة صاحبة، لا بل كل صاحبة
وكل ولد منفيان عن الله سبحانه و تعالى. كذلك مثل قول الله تبارك و تعالى:



(وَلَا يَظْلِمُ
رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف 49



فإن
هذا عام، و لكنه لا يجوز تخصيصه. لا يمكن أن يخصص بأي مخصص. فلا يجوز أن يقال بأن
الله تعالى ظلم فلانا أو فلانة، لا. لا يجوز أن يرد أي دليل ليخصص هذا العموم لأن
العقل يقضي باستحالة ذلك، كذلك نحو قول الله تبارك وتعالى:



(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص 3-4



فقوله:
( لم يلد) أي لم يلد أيًّ أحد، (و لم يولد) لم يولد من قبل أي أحد، ( و لم يكن له كفؤا
أحد) لم يوجد له أي كفؤ أيا كان فلا يجوز أن يقال بان هنالك لله سبحانه و تعالى
ولد، و قد خصص الدليل الذي دل عليه عموم هذه الآية، أو أن هنالك مولود لله، وأن
هنالك والد لله سبحانه و تعالى، و أن هنالك دليلا يدل على أن هذا العموم مخصص به،
و كذلك الكفء لا يمكن أن يكون أي أحد كفؤاً لله سبحانه وتعالى. هذه عمومات لا يمكن
أن تخصص.



بينما العمومات التي هي في القضايا الفرعية في
القضايا الفقهية غالبها مخصَّصات؛ العمومات هنالك خُصصت بمخصصات، لأن دلالة العام
كما قلنا دلالة ظنية فلذلك يكون التخصيص-
تخصيص العموم القطعي من حيث متنه - قد يكون تخصيصه بالدليل الظني من حيث
متنه و قد يخصص العموم من القرآن أو من السنة المتواترة، بالأحاديث الأحادية، أو
بالقياس، فيمكن أن يُخصَّص العموم بالقياس و يمكن أن يخصص بالحديث الآحادي، ولذلك
قال الفقهاء: (ما من عموم إلا وقد خصص) ولكن هذا إنما يُحمل – كما قلت – على
العمومات في المسائل التي يبحثها الفقهاء لا في المسائل التي تتعلق بالمعتقدات فإن
تلكم -كما قلنا- الدلائل تدل على عدم جواز تخصيصها، نجد مثلا قول الله تبارك
وتعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم)هذه آية عامة دلت على حل كل ما لم
يذكر في السياق المتقدم من المحارم التي حرمها الله، ولكن جاءت السنة لتخصص هذا
العموم؛ فالسنة نهت عن الجمع بين المر أه وعمتها، وعن الجمع بين المرأة وخالتها،
ولا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، وكذلك جاءت السنة بدلالة
أن كل ما يحرم من قبل النسب يحرم مثله من قبل الرضاع مع أنه لم يُذكر في السياق
المتقدم ما يحرم من الرضاعة إلا الأمهات و
الأخوات فحسب. و هكذا...



و مثل ذلك تخصيص
عموم قول الله سبحانه وتعالى:



قُل لاَّ أَجِدُ فِي
مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ
مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ
فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنعام 145



الآية
خصصت بمخصصات منها هذه المخصصات المتصلة بحيث أستثني منها الميتة والدم و لحم
الخنزير وما أهل لغير الله به، ثم كذلك جاءت مخصصات من الكتاب فقد حَرُم الصيد على
المحرم بنص الكتاب العزيز وحَرُم صيد الحرم بدلالة السنة النبوية على صاحبها أفضل
الصلاة و السلام وحرمت الخمر على أي أحد بنص القرآن الكريم ونص الأحاديث الشريفة و
جاء النهي عن أكل ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير والنهي عن أكل لحوم
الحُمُر الأهلية فإذن المخصصات ترد على العمومات فمن أجل ذلك علينا أن نفرق بين
مسائل الرأي و مسائل الدين. مسائل الدين هي المسائل القطعية التي لا يجوز الخلاف
فيها أبدا لأجل دلالة الأدلة عليها بطريقة قطعية فقول الله تبارك وتعالى:



( وَلاَ تَنكِحُواْ
مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً ) النساء 22



هذا أمر قطعي لا يجوز لأحد أن يقول بأنه
يجوز لأحد أن يتزوج المرآة التي تزوجها أبوه. كذلك قوله تعالى:



( حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ
وَخَالاَتُكُمْ ) النساء 23



هذه
دلائل قطعية لا يجوز لأحد أن يجتهد في شيء من
ذلك. بينما هنالك أمور خلافية يسوغ فيها البحث و النظر، ولكن مع هذا أيضا،
لا بد من مراعاة أن الاختلاف نفسه يجب أن يُرد إلى المتخصصين، فقد يجتهد الإنسان و
هو لم تتوفر عنده آلات الاجتهاد فآلات الاجتهاد لا تتوفرلأي أحد. أولا قبل كل شيء
القرآن أنزله الله تعالى بلسان عربي مبين، و السنة النبوية وردت أيضا بلسان عربي
مبين، فلذلك كان من الضرورة لمكان أن يكون العالم المجتهد ضليعا في علم العربية
بقدر ما يتمكن من الفهم والإدراك والتميز فإن اختلاط الشعوب بعد الدخول في الإسلام
أدى إلى فقدان العرب سليقتهم و كذلك الشعوب الأخرى غير العرب التي دخلت في الإسلام
لم تكن عندها الملكة التي كانت عند العرب الأوائل، فلذلك كل عالم مجتهد عربي كان
أو غير عربي هو بحاجه إلى أن يتضلع في علم العربية وكذلك هو بحاجة إلى أن يتضلع في
علم أصول الفقه بقدر ما يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية، وهو بحاجة إلى معرفة
علم الحديث بقدر ما يتمكن، و بحاجة إلى معرفة علوم القرآن المختلفة وهو أيضا بحاجة
إلى معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التمييز بين المتقدم و المتأخر
حتى لا يأخذ بالمنسوخ و يدع الناسخ. هذه أمور يجب أن تراعى. فاقتحام لجة هذا الأمر
إنما يجب أن يكون خاصا لأولئك المتمكنين. فالشيء صعب على من ليس يتقنه. هذه أمور
يجب أن تراعى و يجب أن يُراعِيَ كل أحد أصحاب التخصصات في ذلك و أن يكون التكامل
بين الناس حتى يتعاون الكل على ما فيه الخير وفيه الرحمة بمشيئة الله.




و أسأل الله تبارك و تعالى أن يهدي
قلوبنا لما فيه الخير و أن يجمع شملنا على ما يحبه و يرضاه و أن يؤلف بين قلوبنا
وأن يقضي على أسباب الخلاف بين هذه الأمة وأن يجمع شتاتها و أن ينصرها على
أعدائها.


اللهم انصر الإسلام و المسلمين وأذل
الكفر و الكافرين واقطع دابر أعداء الدين واستأصل شأ فتهم. اللهم شرد بهم في
البلاد وافعل بهم كما فعلت بثمود و عاد و فرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد
فأكثروا فيها الفساد


اللهم صب عليهم صوت عذاب وحل بينهم وبين
ما يشتهون كما فعلت بأشياعهم من قبل واجعل بأسهم بينهم شديدا


وخلص اللهم عبادك المسلمين في مشارق
الأرض و مغاربها من قهر أعدائك الكافرين


اللهم استخلفنا في أرضك كما استخلفت من
قبلنا من عبادك المؤمنين ومكن لنا ديننا الذي ارتضيته لنا وأبدلنا بخوفنا أمنا و
بذلنا عزا و بفقرنا غنىً و بشتاتنا و حدة و اجمعنا على كلمتك و ألف بين قلوبنا
بطاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الإكرام


اللهم إنا ضعفاء فقونا و إنا أذلاء
فأعزنا وإنا فقراء فأغننا اللهم أغننا بحلالك عن الحرام و بطاعتك عن الآثام وبك
عمن سواك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الإكرام و صلى اللهم و سلم و بارك على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على
المرسلين و الحمد لله رب العالمين.










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجهول




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 21/06/2010

المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي   المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي I_icon_minitimeالإثنين 21 يونيو 2010, 19:38

اللهم احفظ سماحه الشيخ


محاضرة رائعه



بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المسلمون والإنترنت محاضرة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جواب عن اللحية والموسيقى الجواب لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
» هذه أقوال جميلة وكلمات رائعة لسماحة الشيخ أحمد الخليلي-حفظه الله-:
» لقاء مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي أجرته جريدة الأهرام العربي 19/7/1425هـ
» محاضرة احمد الخليلي حفظه الله جراحات الأمة
» محاضرة احمد الخليلي بعنوان حرمةُ الربا بجميعِ صورِه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى أهل عُمان :: منتدى قضايا الامة الاسلاميه-
انتقل الى: